خطوررة القواعد والأصول المحدثة الجديدة على المنهج والعقيدة

02/03/2013 15:05

خطوررة القواعد والأصول المحدثة الجديدة
على المنهج والعقيدة

إعداد أبي معاذ حسن العراقي


 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
وبعد :
فان التأصيل أو التقعيد مطلب سامي والسير على القواعد والأصول ، منزلة عظيمة والموفق من هُدي إليه ، لذلك وجب على كل طالب علم أن يُشمر على ساعد الجد فيحصل من كل علم على أصوله وقواعده:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"
لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل,ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؟ وإلا فيبقى فى كذب وجهل فى الجزئيات, وجهل وظلم فى الكليات, فيتولد فساد عظيم." (مجموع الفتاوى19\203).
وقال العلا ّمة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : ( أنه من نعمة الله تعالى أن جعل لهذه البحور الزاخرة،ـ بحور العلم ـ جعل لها أصولا تسهل نيلها، وهذه الأصول هي القواعد والضوابط) ،
وقال ـ رحمه الله ـ : ("فمن تَفُتْهُ" أي: من تفته القواعد يحرم الوصول أي: الوصول إلى العلم، وفي ذلك يقول العلماء: من حُرم الأصول حُرم الوصول؛ لذلك ينبغي لنا أن نحرص على معرفة القواعد، وعلى معرفة ما تتضمنه، وأن نتباحث فيها وأن نسأل من هو أعلم منا حتى نحصل على المقصود.) أنتهى(1)

ولكن لابد من التنبيه إلى أن إهتمام العلماء بالتأصيل والتقعيد :
لايعني ذلك أن كل طالب علم يستحسن ما يشاء من العبارات التي يظن أنها موافقة للشرع يصوغ منها قواعد وأصول ، وعندما تظهر للناس فإذا ( ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب)،
فمن جهة تجدها:
مصادمة للشرع ناسفة لأصول السلف ،ومن جهة أخرى مسببة للفتن والفرقة ،فكانت ضلالا ًمن جهة التأصيل .ودمارا ً وفرقة من جهة التطبيق والثمرة. فيصعب على نفس قائلها التراجع لذا يذهب يحشد الأقوال والآراء الشاذة ، نصرة لها وله وهذا والله عين الضلال ،
فالقاعدة حتى يصح أن يطلق عليه قاعدة لآبد أن تكون مبنية على الأدلة الشرعية وليس على الفكر والعقل والهوى
قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ : ( أي قاعدة علمية حينما تكون قاعدة علمية حقيقةًً ً فهي قائمة على أدلة شرعية ليس مجرد فكر أو هوى) سلسلة الهدى والنور شريط رقم 41 )
وخلاف ذلك تكون ضلالاً وبعدا ً عن الشريعة ووبالا على صاحبها ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : ((فرب قاعدة لو علم صاحبها ما تفضي إليه لم يقلها))"(2) .

لذا فالواجب على طالب العلم السير :
على أصول وقواعد السلف فإنهم أعلم وأحكم فلهذا سلمت عقيدتهم ومنهجهم ، لأنهم فهموا مراد الله وفهموا مراد رسوله وفهموا الذكر الموصوف بالهدى والنور وأنه حياة للقلوب قال تعالى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ }.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : (أن القلب الحي هو الذي يعرف الحق ويقبله ويحبه ويؤثره على غيره فإذا مات القلب لم يبق فيه إحساس ولا تمييز بين الحق والباطل ولا إرادة للحق وكراهة للباطل بمنزلة الجسد الميت الذي لا يحس بلذة الطعام والشراب وألم فقدهما وكذلك وصف سبحانه كتابه ووحيه بأنه روح لحصول حياة القلب به فيكون القلب حيا ويزداد حياة بروح الوحي فيحصل له حياة على حياة ونور على نور )(3)
ومن اسباب الانحراف هو الابتعاد عن القواعد والاصول التي قعدها وسار عليها سلف هذه الأمة،

قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في شرح البخاري
وما ضل من ضل من بعض الناس إلا بسبب بعدهم عن القواعد العامة في الشريعة والتي ترجع أليها الفروع ) (4)


ولنأخذ مثالين في جانبين متصلين غير منفصلين وأن حاول من حاول فصلهما في باب العقيدة وآخر في المنهج لنعرف خطر القواعد المحدثة الجديدة على المنهج والعقيدة ! .
الباب الأول / العقيدة :
من المعلوم ضلال الجهمية وكان من أسباب انحرافهم وضلالهم في العقيدة قاعدة أو نظرية (الجوهر والعرض ) في إثبات حدوث العالم تلك النظرية الفلسفية التي هي أم الفتن أحدثها الجهم ابن صفوان.
فانظر رحمك الله إلى خطورة هذه القاعدة وكيف انتهت بأصحابها من أقوال وإنحرافات ممّا هو معروف لا يخفى على طالب العلم !! وكيف تطورت ولبست ثوبا جديدا ،
وكيف أثرت على عقيدة ومنهج مُحدثِها ومقلديه!!
فجاء غيرهم ممّن هو على شاكلتهم من أهل الكلام فأخذوا هذه القاعدة وزادوا عليها :
(
فقدموا على الإطلاق العقل على النقل في حالة التعارض المتوهم في عقولهم !! ))
وجاء غيرهم فقالوا نجمع بين طريقة السلف و طريقة الخلف ) (5)
لكن تحت قاعدة سموها
(السلف أسلم والخلف أعلم ُوأحكمُ فضلوا في التمثيل والتطبيق !!
فلذلك اهتم علماء الإسلام من سلف هذه الأمة بضبط نصوص الشريعة وحفظها وتوضيحها بقواعد كلية مستنبطة من الإستقراء الكلي للشريعة ، فكانت قواعدهم محكمة وعامة في بابها ، حتى أصبحت كأنها نصوص ،
ففي العقيدة : في مبحث الأسماء والصفات لله جل وعلا) تجد مثلا قاعدة :
(
المعنى معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب ) وإن قيلت في باب الاستواء لكنها أصبحت ضابط عام في إثبات جميع الصفات .
وقاعدة ( يجب علينا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات على وجه الحقيقة من غير تحريف، ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل ).

(
والقصد التمثيل لا الإسهاب والتطويل !!)
فشتان مابين قواعد السلف المبنية على الكتاب والسنة وبين قواعد أهل الأهواء المبنية على العقل والهوى .
و كان مقصد علماء السلف من وضع القواعد نصرة الشريعة وتسهيل الوصل إلى مقاصدها وفهم مراد الشارع وإرجاع الفرعيات والجزئيات إلى الكليات حتى يسهل على الطالب الحفظ ويستعين بها المجتهد على الإفتاء وإرجاع الجزئيات إلى الكليات .
ولما كانت القواعد بهذه الأهمية سلبا ً وأيجابا ً
كان عدم ضبطها أو عدم الإهتمام بها باب من أبواب الهلكة والله المستعان ،
والأخطر منه أن تُقعّد القواعد المناقضة لقواعد السلف !! لنصرة المقالة أو المذهب أو الحزب !!
ولنأخذ مثالا آخر:
ثانيا ً / في باب التعامل مع المخالف كقضية منهجية !!
فالسلف وضعوا قواعد كثيرة في هذا الباب في باب معرفة المبتدع منها :
(
علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ).
فليس لكل احدٍ معرفة أصول وأقوال أهل الأهواء لأن أهل الأهواء يصعب حصرهم ومعرفة مقالاتهم وتسمياتهم وأصولهم على كثير من الناس !
فعلماء السلف وضعوا هذه القاعدة لحماية السنة قاعدة عامة يفهما ويستعملها حتى عوام الناس !
يقال : إذا رأيت من يطعن في أهل الأثر فاعلم انه صاحب بدعة فقد يكون الطاعن خرافي أو ، حزبي ، أو خارجي ،أو مرجئ ، أو حدادي او .............. ، المهم تعرف أن هذا الطاعن ليس على الحق !
لأنهم جميعا ً يشتركون في معاداة أهل الأثر والطعن فيهم بصورة وأخرى مباشرة أو غير مباشرة .
فانظر إلى هذا الأصل السلفي كيف وضِـع لحماية السنة ، وكيف أنه عام أندرج تحته جزئيات كثيرة يصعب حصرها !!
وفي نفس الباب ( التعامل مع المخالف ) انظر إلى أهل الأهواء .
كيف وضعوا قواعد فقدت الحكمة والضبط وأخلت كثيرا بقواعد الشريعة في بابها :
فعلى سبيل المثال :
/
قاعدة ( نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما أختلفنا فيه ) , والتي جُعلت أصلا ً عند أصحابها للتعامل مع المخالف سواء كبرت المخالفة أو صغرت وسواء ممّا يسوغ فيه الخلاف أو لا !!
ولا شك إن هذا مناقض لقواعد وأصول السلف في هذا الباب
هذه القاعدة أفرزت كثيراً من القواعد ،
تحت نفس المعنى وأن أختلفت الألفاظ مثل ( نصحح ولا نجرح ) و( نصحح الأخطاء ولا نهدم الأشخاص ) و( قاعدة الموازنات ) و( لا نجعل الخلاف في غيرنا سبباً للخلاف بيننا ) ثم منهج (( التثبت من أخبار الثقات الجديد المبتدع )) ثم (6) لابد من ( الإقناع في الجرح حتى يُقبل ) الذي دُعي أليه حماية لأهل الأهواء ـ وغيرها وغيرهم على شاكلتها وشاكلتهم الكثير الكثير والله المستعان ،
هذه القواعد الفضفاضة أفرزت مايسمى ( بالمنهج الأفيح ) !
الذي أغتر به كثير من الشباب السلفي مع الأسف !!
وصدق شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أذ قال (فرب قاعدة لو علم صاحبها ما تفضي إليه لم يقلها)
فيا طالب العلم ليست المسألة تحامل من العالم الفلاني على المجروح الفلاني ـ كما يردده البعض مع الأسف الشديدـ
وإنما هي أصول محدثة متسلسلة يجب الحذر منها :
أنظر رحمك الله إلى هذه القواعد أبتداءً من:
قاعدة ( نجتمع فيما أتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما أختلفنا فيه ) كيف طُورت إلى نــصــــــــــحح ولا نجــــــرح
ثم طورت بثوب جديد ألى نصحــــــــح ولا نهـــــدم
ثم إلى لانجعل خلافنا في غيرنا ســـببا للخـــلاف بيننا
كأنها منظومة شعر يتبع آخرها أولها !!
وانظر رحمك الله إلى أصحاب هذه القواعد كيف تواطأوا على الطعن في أهل الأثر !!
فأولهم وصف العلماء الربانين بأنهم دراويش تحقيرا ً وتنفيراً !!
وثانيهم : قال عنهم (علماء محنطين).
وثالثهم قال علماء السلاطين .
و رابعهم وصفهم بالسذاجة .
وخامسهم: وصف العلماء بالببوات والملالي .
ثم جاء آخرهم ووصفهم بغلاة والمتشددين والمنفريين :
فيجب الحيطة والحذر !
فيا طالب العلم أنظر إلى قواعد علماء السلف كيف حُميت بها الشريعة عقيدة ومنهجا ً،
وأنظر إلى قواعد المتأخريين كيف فرقت أهل السنة وحُمي بها أهل الأهواء.
ثم أختر لنفسك يا أخ العرفان أي الفريقيين تختار !
قال الله عز وجل { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .
قال الإمام السِعدي ـ رحمه الله ـ في التفسير: (فبمجرد النظر إلى حال هذين الرجلين، يعلم الفرق بينهما، والمهتدي من الضال منهما، والأحوال أكبر شاهد من الأقوال).


فما من أحد تكلم فيه العلماء إلا وكان ممّا أُنتقد فيه وأخذ عليه :
أنه قعد قاعدة كذا واصل أصل كذا وهذا مخالف للنص أو مخالف للقاعدة السلفية كذا ،
فياطالب العلم أليس في كتب السلف وأصولهم وقواعدهم غنية ؟؟
وهل وجد من علمائنا الكبار الأموات منهم والأحياء من أصل اصلا ً أو قعد قاعدة تخالف قواعد المنهج السلفي ؟؟
أم أنهم أفنوا أعمارهم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر شرحا وتدريسا لكتب وقواعد السلف أفلا نتأسى بهم ؟
وفي الختام نصيحة لك أخي طالب العلم :
لاتقدم بين يدي العلماء وخصوصاً في المسائل الدقيقة ولا تعطي لنفسك الحق في الاجتهاد في المسائل الكبيرة ما دام في الأمة علماء هم أولى ، وأعلم وأرسخ في العلم وقد جمعوا شروط الاجتهاد ،
ولاتخترع قواعد ما سُبقتَ أليها ،
ولاتقل قولا لم تُسبق أليه ،
وتواضع للعلم يرفعك الله به ،
ولا تبدع من لم يحكم العلماء بتبديعه مع علمهم بحاله وأخطائه !!
ولا تجبن أن عن تبديع من بدعه العلماء بعد ما تبين لك حاله وأوحاله ،وأحداثه للقواعد والأصول المخالفة لمنهج السلف،
والله أسأل أن يهدي ضال المسلمين ويثبت على الحق شبابهم ويجمع شملهم على الهدى وأن يتقبل منّا صالح الإعمال وأن يحفظ على السنة علمائنا وأن يرحم من مات منهم ويجمعنا بهم في جنات النعيم مع الأنبياء والصدقين والشهداء أنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 

إعداد أبي معاذ حسن العراقي




(1)انظر شرح منظومة العثيمين في القواعد والاصول
(2) الفتاوى الكبرى ص93 وانظر مجموع الشيخ ربيع ( 13/117)
(3)
شفاء العليل فصل ( وأما إماتة قلوبهم ) ص104
(4)
شريط رقم 13 الوجه أ كتاب الحج .
(5)
والمقصود سلفهم هم من المفوضة !!
(6)
ـ هذا الأصل المحدث رده العلماء ومنهم العلامة الشيخ بن عثيمين ـ رحمه الله ـ
سئل الشيخ العثيمين رجمه الله تعالى "
(
يشترط بعضهم فيمن يسمع من شخصٍ خطأً أو وقف على أخطاء في كتاب أن يستفصل أو ينصح قبل أن يحكم وقبل أن يبين هذه الأخطاء ، وقال من خالف هذا فقد اتصف بصفة من صفات المنافقين ".
أجاب الشيخ بن عثيمين على هذا السائل بقوله :
((
لا هذا غلط ، هذا غلط .))انتهى
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ( حفظه الله ) - قاعدة التثبت التي لا يقصد بها التثبت المشروع وإنما يقصد بها رد الحق وإسقاط أهله من علماء السنة والمنهج السلفي فمهما كثر عددهم وتطابقت فتاواهم من غير توافق ومهما أقاموا من البراهين فإن هذا الأصل كفيل بإسقاطهم على كثرتهم وقوة حججهم وبراهينهم)


 

المرجع: https://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=123629